الفرق بين رغبات الرجل والمرأة في العلاقة: ماذا يقول العلم؟

الفرق بين رغبات الرجل والمرأة في العلاقة: ماذا يقول العلم؟

لطالما كانت الفروق في الرغبة الجنسية بين الرجل والمرأة مادة للنقاشات، النكات، وحتى سوء الفهم. لكن بعيدًا عن القوالب النمطية، هل تساءلت يومًا عن الأسباب العلمية الحقيقية وراء هذه الاختلافات؟ العلم يقدم لنا إجابات مذهلة تكشف أن الأمر أعمق من مجرد "طبيعة الرجل" أو "عاطفة المرأة". إنه مزيج معقد من الهرمونات، هندسة الدماغ، وحتى الإرث التطوري الذي شكل رغباتنا. هذا المقال سيأخذك في رحلة علمية لفهم الفروق الجوهرية بين رغبات الرجل والمرأة في العلاقة الحميمة.

صورة رمزية تجمع بين الدماغ والحمض النووي لتمثيل العلم وراء رغبات الرجل والمرأة

 

1. معركة الهرمونات: التستوستيرون مقابل الأوكسيتوسين

تلعب الهرمونات دور البطولة في تحديد طبيعة وقوة الرغبة الجنسية، وهنا يكمن أول فرق كبير.

  • عند الرجل: هرمون التستوستيرون هو المحرك الرئيسي للرغبة. مستوياته لدى الرجل أعلى بكثير (حوالي 10-20 ضعفًا) من المرأة، وهو ما يفسر جزئيًا لماذا قد تكون رغبته أكثر تواترًا وإلحاحًا. التستوستيرون يدفع نحو رغبة جسدية مباشرة.
  • عند المرأة: بينما يلعب التستوستيرون دورًا لديها أيضًا، فإن هرمونات أخرى مثل الإستروجين والأوكسيتوسين (هرمون الارتباط أو "هرمون العناق") لها تأثير هائل. الأوكسيتوسين، الذي يُفرز أثناء اللحظات الحميمية غير الجنسية كالعناق والحديث العميق، هو ما يبني رغبتها. لهذا السبب، ترتبط رغبتها ارتباطًا وثيقًا بالشعور بالاتصال العاطفي والأمان.

 

2. هندسة الدماغ: الاختلاف في مسارات الإثارة

أظهرت دراسات تصوير الدماغ أن الرجال والنساء يعالجون المحفزات الجنسية بشكل مختلف.

  • عند الرجل: عند التعرض لمحفزات بصرية، تظهر مناطق الدماغ المسؤولة عن الإثارة الجسدية (مثل اللوزة الدماغية ومنطقة تحت المهاد) نشاطًا فوريًا وقويًا. دماغه مبرمج للاستجابة السريعة للمدخلات البصرية.
  • عند المرأة: تكون الاستجابة أكثر تعقيدًا وتوزعًا. فبالإضافة إلى مناطق الإثارة، تنشط لديها بقوة مناطق أخرى مرتبطة بالذاكرة العاطفية، الانتباه، واتخاذ القرار. دماغها يقوم بتقييم شامل للسياق العاطفي والأمان قبل السماح بحدوث الإثارة الكاملة. أي شعور بالقلق أو التوتر يمكن أن "يغلق" مسارات الإثارة لديها بسهولة.

 

3. من الرغبة العفوية إلى الرغبة التفاعلية

هذا أحد أهم الفروق التي اكتشفها العلم الحديث في مجال الجنس.

  • الرغبة العفوية (Spontaneous Desire): هي الرغبة التي تنشأ من العدم، "أنا أرغب في الجنس الآن". هذه الرغبة، المدفوعة بالتستوستيرون، هي السائدة لدى الرجال.
  • الرغبة التفاعلية (Responsive Desire): هي الرغبة التي لا تبدأ من تلقاء نفسها، بل "تتفاعل" مع المداعبة والمواقف الحميمية. تبدأ المرأة غالبًا من حالة حيادية، لكن مع القبلات واللمسات والأجواء الرومانسية، تبدأ رغبتها في الاستيقاظ والنمو. هذا يفسر لماذا تقول الكثير من النساء إنهن "لم يكن في مزاجهن" لكنهن استمتعن جدًا بمجرد البدء.

 

4. شيفرة الجينات: ماذا تقول سيكولوجيا التطور؟

يقترح علم النفس التطوري أن استراتيجيات التكاثر المختلفة لأسلافنا لا تزال تؤثر على رغباتنا اليوم.

  • استراتيجية الرجل: تطوريًا، كانت استراتيجية الرجل تهدف إلى نشر جيناته على أوسع نطاق، مما قد يفسر جزئيًا ميله نحو رغبة أكثر تركيزًا على الفعل الجسدي والتنوع.
  • استراتيجية المرأة: كانت استراتيجيتها تهدف إلى اختيار شريك يوفر الموارد والحماية لها ولأبنائها (نظرًا للحمل الطويل وفترة الرضاعة). هذا قد يفسر لماذا لا تزال المرأة حتى اليوم تربط رغبتها الجنسية بمؤشرات الالتزام، الأمان، والارتباط العاطفي.

في الختام، فهم هذه الفروق العلمية ليس لتبرير السلوكيات، بل لزيادة التعاطف والتفاهم. عندما يدرك الرجل أن رغبة زوجته تحتاج إلى "بناء" عاطفي، وعندما تدرك المرأة أن رغبة زوجها قد تكون أكثر "عفوية" ومباشرة، يمكنهما التوقف عن محاولة جعل الآخر نسخة طبق الأصل منهما، والبدء في تلبية احتياجات بعضهما البعض بذكاء وحب، مما يخلق علاقة أكثر عمقًا وإرضاءً للطرفين.